تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وفاة ( باكستاني ) قرب الكعبة على مرأى من صاحبي تكون سببا في هدايته


الهاشمية
02-04-2013, 12:27 AM
اتجهت إلى طاولة في مطعم الجامعة بعد أن ابتعت فطورا لي ولمن معي
من الأحبة وإذا بصاحب لي يجلس قريبا مني فاتجهت إليه ،
وجعلت الجلستين جلسة ليحلو الكلام ، ولنتجاذب أطراف الحديث .

بادرني صاحبي بقوله : هل رأيت تركي ؟! ،
قلت : نعم ، ولكن حاله قد تغيرت كثيرا ً !! ،
قال : أسألته عن السبب ؟ ،
قلت : لا – والله – وأخشى أن أسأله
فيكون السبب جرحا ً يتمنى نسيانه – وما أكثرها في هذا الزمان - .
سكت صاحبي ، وأتممنا فطورنا ،
وهنا أعلنت الساعة قرب دخول المحاضرة فاتجهنا للقاعة .

مضت الأيام ، وأنا أرى صاحبي تركي قد تغير تغيرا ً غريبا ً ! ،
ولكني لم أجرؤ على سؤاله عن سبب هذا التغير ،
ولكن بالي كان مشغولا ً ونفسي شغوفة لمعرفة السبب .
اجتمعت – بعد وقت ليس بالقصير –
مع تركي وصاحب ٍ لنا في مجلس واحد ، وأخذنا نتحدث عن الدراسة والاختبارات ،
وفجأة بادرني صاحبي بسؤال ٍ أحرجني جدا حيث قال :
ألا تعرف سبب تغير تركي ؟! ،
فقلت : لا – والله – ولكن أسأل الله – تعالى – أن يكون خيرا ً .
وهنا طأطأ تركي برأسه ثم استلم زمام الحديث – بعد أن رفع رأسه
وأعقب ذلك بتنهيدة حارة - وكان مما قال :

سافرت في أحد الأيام إلى مكة المكرمة للعمرة ،
وكان دخولي للحرم مع أصحابي
بعد أن انتهى المسلمون من أداء صلاة العشاء ،
رأينا جماعة تصلي قرب المطاف ( الصحن ) فأدركنا الصلاة معهم ،
ثم قمنا لنبدأ عمرتنا ،
وهنا وجدنا الناس يتجهون لجهة معينة من المطاف ، ويقتربون للكعبة أكثر ،
والازدحام يكثر ويكثر ، حتى تيقنّا أن هناك أمرا ً ما نتيجة هذا الازدحام
الغريب الملفت للنظر لكل من دخل المطاف ولو كان من جهة أخرى .

فاقتربت أنا وأصحابي وكنت أقربهم للحدث ، فاخترقت الصفوف ،
وكلما قربت رأيت الناس قد تغيرت ألوانهم ، حتى وصلت لسبب ازدحام الناس .فماذا كان ؟!

الموقف باختصار :
رجل يتضح عليه من لباسه أنه من الجنسية الأفغانية أو الباكستانية ،
كبير ٌ في العمر ، كث وطويل اللحية ، وهي بيضاء بياضا كاملا لا ترى
محلا للسواد فيها ،

الرجل متمدد على الأرض ، وبعض الموجودين – وهم قلة قليلة –
جلسوا عند رأسه ، يقولون : لا إله إلا الله – يكررونها - ،
فعلمت أن الرجل يحتضر ،

يا الله ، موقف عصيب ، لا أستطيع أن أصفه ،
الرجل كلما مرت دقيقة كلما اشتد تمدده على الأرض وكأنه قطعة
من خشب ، والذين عند رأسه يرددون : لا إله إلا الله ،

وهنا بدأ الرجل يتكلم ، ولكنه كلام ٌ غير مفهوم لي ولمن معي ،
وأظنه كان يتحدث بلغته ،

الناس يرددون : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ،
وهو ما زال يردد كلاما ليس مفهوما لنا ،
الموقف اشتد أكثر وأكثر ، والوجوه تغيرت أكثر وأكثر ،
الألوان بدت شاحبة لكل من شاهد ذلك المنظر المخيف ،

فرجل يصارع الموت أمامك ، وأناس يرددون : لا إله إلا الله ،
وهو يردد كلاما غير مفهوم بلغته ،

ثم حدث شيء لم أكن أتوقع أني أراه في حياتي ،
جعل من عند رأس المحتضَر يتراجعون عنه ويقفون معنا ،

أتعلمون ماذا حدث ؟! ،
التفت ساقا الرجل ببعضهما البعض ومباشرة تذكرت قوله
تعالى – : ( والتفت الساق بالساق ) ، وكأن هذه الآية لأول مرة تمر بي !! ،
اشتد الرجل على الأرض ، والتفت ساقاه ، وقلّ حديثه الذي كنا نسمعه
ولا نفهمه ، ثم سكت سكوتا ً يسيرا ً ،

فعاد من جديد للحديث ، ولكن هذه المرة بصوت واضح ٍ جدا ،
وبلغة مفهومة معروفة لكل من وقف ،
فقد قال كلمة لا يوجد مسلم لم يسمع بها ، أو يعرف معناها ،

قال – بكل وضوح - :
لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .
ثم توقفت أنفاسه ، ولان جسمه ، وارتخت ساقاه اللتان كانتا ملتفتان
على بعضهما ، فلم نسمع له بعد ذلك لا نسما ً ولا همسا ً ! ،
سكت الرجل ، وبدأ الناس يتحدثون ولكن بلغة الدموع ، والنشيج ، والنحيب ،

فهذا يبكي ، وهذا يحوقل ، وذاك يسترجع ،
وكأن الميت أب للحاضرين أو أخ لهم ،

وكم من واقف عليه لسان حاله يقول : طوبى له ليتني كنت مكانه .
حُمِل الرجل ، وتولى أهل الخير إنهاء أوراقه ، ورأت عائلته أن يصلى عليه
في الحرم حيث كانت متواجدة معه في مكة – على ما أظن - ،
وبذلنا جهدنا أن نعرف متى الصلاة عليه ، وفي أي فرض ،

صلينا عليه من الغد ، وذلك الموقف راسخ ٌ في البال ،
لا يمحوه تعاقب الأيام والليالي .
ومن ذلك الموقف – بعد توفيق الله تعالى لي - تغيرت حالي ،
وأسأل الله – تعالى – لي ولكم الثبات على الحق حتى نلقاه .
ا.هـ .
*
*
*
انتهى حديث صاحبي تركي – أسأل الله تعالى لي وله ولكل موحد الثبات - .
ولكن أنت – أيها القارئ الكريم – كيف ستكون نهايتك ،
وختام حياتك لو كنت مكان ذاك الأعجمي ؟! ،
أستصدح بــ : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ،
أم سيُغلق عليك ، ولا تعرف منها شيئا ؟! ،


أيها القارئ الكريم :
اعلم أن من شب ّ على شيء شاب عليه ،
ومن شاب على شيء ٍ مات عليه ،
وسكرات الموت ، كالملعقة لما في الصدور ،
فمن كانت نفسه متعلقة بالله – تعالى - ، متبعة لأوامره ،
منتهية عن نواهيه ، فذاك الفائز الرابح ،
ومن كانت نفسه متعلقة بالدنيا ، مقدمة ً لها على الآخرة ،
فذاك الخاسر النادم – ولات حين مندم - .