جسار
11-02-2010, 11:09 AM
ثــورة بيضــاء ضــد الكــذب !!
_____________________
أيهــا الأعــزاء : أعضــاء وزوار دمعــة وله :
اطلعت على دراسة أجرتها إحدى الصحف البريطانية عن ( الكذب ) .. حملتني على أن أتساءل : ترى ما الذي كان يمكن أن يحدث في العالم ، لو أن الناس جميعاً قرروا في وقت واحد ، أن يحذفوا من حياتهم هذه الكلمة العجيبة " الكذب " ؟ .
قبل أن أقف عند جوهر الموضوع ، أحب أن أتذكر قليلاً ، ماقيل قديماً : ( أعذب الشعر أكذبه ! ) و ( كذب ناجح ، ولا صدق نيّ ! ) .. فإذا عددنا الكذب عنصراً رئيسياً في الفن ، بمعنى أنه تركيب خيالي مخالف للحقيقة ، فمن ذا يستطيع أن يعدد الكذبات الجميلة في تاريخ البشرية ، بدءاً بالأساطير اليونانية والرومانية ، وانتهاء بالأساطير العربية ، كما تجلت في " ألف ليلة وليلة " ! .
والإنسان في إحدى مراحل طفولته ، يعيش الكذب بأجلى صوره وأكثرها بعداً عن الحقيقة .. وأجملها أيضاً ، وهذه أحلى أوقات العمر ! إذ لا فرق بين الواقع وبين الخيال ، بين الحقيقة وبين الكذب والوهم .. وعلماء النفس يدعون هذا : ( الكذب التصوري ) .
وفي الحياة أناس كثيرون عرفت بعضهم ، اشتهروا بظرفهم وخفة ظلهم ، غير أنهم مصنفون بين أصحابهم في باب الكذابين .
وكاد أحد زملائي في المرحلة الإعدادية - المتوسطة - يتسبب برسوبي في الصف الثاني ، جراء الأكاذيب الجميلة التي أدمنت الاستماع إليها كل ليلة ، في اللقاء المخصص للدراسة والمراجعة ، فإذا نحن نمضيه حتى ما بعد منتصف الليل ‘ في الإصغاء إلى مسلسله السلس وكله كذب في كذب ! .
جاء في النتائج التي نشرتها الصحيفة البريطانية - صنداي تلغراف - أن الناس يكذبون مرة كل ثماني دقائق كمعدل ، وسطي ، وهو يعني أنهم يكذبون مئتي مرة في اليوم الواحد .
وقد أجريت هذه الدراسة على عشرين شخصاً أمريكياً ، زودوا بجهاز تنصت .. أعدها باحثون في جامعة كاليفورنيا الجنوبية في لوس أنجلوس ، وحسب ما جاء به هؤلاء الباحثون ، فإن أرباب العلاقات العامة ، أو من يقيمون علاقات اجتماعية واسعة ، هم أكثر الناس كذباً .. ويندرج في الفئة : الباعة ، وسكرتيرات الأطباء ، ورجال السياسة ، والصحفيون ، والمحامون ، وعلماء النفس !!!
وقال عالم النفس الذي أشرف على هذه الدراسة : ( إن الأكاذيب هي في أغلب الأحيان من النوع الصغير جداً ، لكنها مع ذلك تبقى أكاذيب ) .
حتى أولئك الناس القابعون في بيوتهم بعيداً عن الآخرين يكذبون أيضاً ! ألا يستخدمون الهاتف ؟ ألا يُدعون إلى حفلة غداء أو عشاء ، في الوقت الذي لا يجدون في أنفسهم الرغبة لفعل ذلك ؟ إذاً فإنهم يكذبون كي يتخلصوا من تلبية تلك الدعوات .
وربما طرق أحدهم باب جاره في وقت غير مناسب ، فإذا هو يبادر إلى القول : " آسف لإزعاجك ! " مع أن الحقيقة هي أن القائل لا يبالي على الإطلاق بما يصيب الآخر من إزعاج .
وبين الأكاذيب الدارجة المتواترة ، أن يعتذر أحدهم بازدحام السير ، عن تأخره في الوصول إلى موعد مــا ، في حين أن السبب الحقيقي في التأخير هو عدم احترام المواعيد ... وليس ازدحام السير .
إن هذا يحدث هناك ، في المجتمع الأمريكي ، حيث أجريت الدراسة : يكذب الناس مئتي مرة كل يوم ، وهو في الأغلب ، كما يبدو ، كذب أبيض ، للهرب من مواجهة الآخرين بالحقيقة التي لها طعم واحد ، هو طعم الحقيقة .. لكن ما عسانا نصنع ، إذا كان كثير من الناس لا يحبونها ، اعني الحقيقة ؟! .
ربما قال احدكم - أيها الأعزاء - : ما أحوجنا نحن في بلادنا العربية إلى إجراء مثل هذه الدراسة ، فلو جرت ، ترانا نكذب أقل من الأمريكيين أم أكثر ؟!
مهما يكن من أمر ، فإن فيلسوفة أمريكية - ما عدت أذكر اسمها - هي التي قالت يوماً : ( قل أكثر الحقائق قسوة ، ولكن .. بشكل مـائـل ! .. ) فما المقصود بالميلان ؟! أليس هو تطعيم الحقيقة بشيء من الكذب ؟ .. مثلما يجعلون لحبوب الدواء المــر " ســواغاً " يجعل في الفم حلواً كحبات الملبس السائغة ؟! .
لا بأس إذاً ، أن نعود قليلاً إلى البداية : فكيف ستكون صورة الناس في الكرة الأرضية ، لو أنهم انتفضوا جميعاً وقرروا القيام بثورة بيضاء ضد الكذب ؟
يقول الواحد للثاني رأيه فيه مباشرة : أنت محتال وكذاب ومراوغ .. أو يقول : لا تقترب مني البته ، فإن رائحة فمك لا تطاق .. أو يقول : هذه الأفكار التي تحملها في رأسك وتلوكها كالعلكة في فمك سخيفة تافهة وغير جديرة بأن تناقش .. أو يقول الثاني للأول : أنت ثقيل الظل لا تطاق .. أو يقول : أنت منافق لا تؤمن بشيء على الإطلاق .. وربما قال له : أنت دعيٌّ لا علاقة لك بما تزعم من ثقافة وأدب وفن .
وقد تقول المرأة لزوجها : أنا لا أحبك في الأصل ، وقد تزوجتك مرغمة ، لأني لم يتقدم لي من هو أفضل منك .. وقد يقول الرجل لزوجته : أنتِ خدعتيني ودلّست أيام الخطوبة , وقد اكتشفت بعد الزواج أن لكِ في الحقيقة وجهاً مختلفاً تماماً ، وما أنتِ إلا ثرثارة نفّاجة سليطة اللسان ! .
وخاطـــركم أيهــا الأعــزاء
جســا أإأإ ر
_____________________
أيهــا الأعــزاء : أعضــاء وزوار دمعــة وله :
اطلعت على دراسة أجرتها إحدى الصحف البريطانية عن ( الكذب ) .. حملتني على أن أتساءل : ترى ما الذي كان يمكن أن يحدث في العالم ، لو أن الناس جميعاً قرروا في وقت واحد ، أن يحذفوا من حياتهم هذه الكلمة العجيبة " الكذب " ؟ .
قبل أن أقف عند جوهر الموضوع ، أحب أن أتذكر قليلاً ، ماقيل قديماً : ( أعذب الشعر أكذبه ! ) و ( كذب ناجح ، ولا صدق نيّ ! ) .. فإذا عددنا الكذب عنصراً رئيسياً في الفن ، بمعنى أنه تركيب خيالي مخالف للحقيقة ، فمن ذا يستطيع أن يعدد الكذبات الجميلة في تاريخ البشرية ، بدءاً بالأساطير اليونانية والرومانية ، وانتهاء بالأساطير العربية ، كما تجلت في " ألف ليلة وليلة " ! .
والإنسان في إحدى مراحل طفولته ، يعيش الكذب بأجلى صوره وأكثرها بعداً عن الحقيقة .. وأجملها أيضاً ، وهذه أحلى أوقات العمر ! إذ لا فرق بين الواقع وبين الخيال ، بين الحقيقة وبين الكذب والوهم .. وعلماء النفس يدعون هذا : ( الكذب التصوري ) .
وفي الحياة أناس كثيرون عرفت بعضهم ، اشتهروا بظرفهم وخفة ظلهم ، غير أنهم مصنفون بين أصحابهم في باب الكذابين .
وكاد أحد زملائي في المرحلة الإعدادية - المتوسطة - يتسبب برسوبي في الصف الثاني ، جراء الأكاذيب الجميلة التي أدمنت الاستماع إليها كل ليلة ، في اللقاء المخصص للدراسة والمراجعة ، فإذا نحن نمضيه حتى ما بعد منتصف الليل ‘ في الإصغاء إلى مسلسله السلس وكله كذب في كذب ! .
جاء في النتائج التي نشرتها الصحيفة البريطانية - صنداي تلغراف - أن الناس يكذبون مرة كل ثماني دقائق كمعدل ، وسطي ، وهو يعني أنهم يكذبون مئتي مرة في اليوم الواحد .
وقد أجريت هذه الدراسة على عشرين شخصاً أمريكياً ، زودوا بجهاز تنصت .. أعدها باحثون في جامعة كاليفورنيا الجنوبية في لوس أنجلوس ، وحسب ما جاء به هؤلاء الباحثون ، فإن أرباب العلاقات العامة ، أو من يقيمون علاقات اجتماعية واسعة ، هم أكثر الناس كذباً .. ويندرج في الفئة : الباعة ، وسكرتيرات الأطباء ، ورجال السياسة ، والصحفيون ، والمحامون ، وعلماء النفس !!!
وقال عالم النفس الذي أشرف على هذه الدراسة : ( إن الأكاذيب هي في أغلب الأحيان من النوع الصغير جداً ، لكنها مع ذلك تبقى أكاذيب ) .
حتى أولئك الناس القابعون في بيوتهم بعيداً عن الآخرين يكذبون أيضاً ! ألا يستخدمون الهاتف ؟ ألا يُدعون إلى حفلة غداء أو عشاء ، في الوقت الذي لا يجدون في أنفسهم الرغبة لفعل ذلك ؟ إذاً فإنهم يكذبون كي يتخلصوا من تلبية تلك الدعوات .
وربما طرق أحدهم باب جاره في وقت غير مناسب ، فإذا هو يبادر إلى القول : " آسف لإزعاجك ! " مع أن الحقيقة هي أن القائل لا يبالي على الإطلاق بما يصيب الآخر من إزعاج .
وبين الأكاذيب الدارجة المتواترة ، أن يعتذر أحدهم بازدحام السير ، عن تأخره في الوصول إلى موعد مــا ، في حين أن السبب الحقيقي في التأخير هو عدم احترام المواعيد ... وليس ازدحام السير .
إن هذا يحدث هناك ، في المجتمع الأمريكي ، حيث أجريت الدراسة : يكذب الناس مئتي مرة كل يوم ، وهو في الأغلب ، كما يبدو ، كذب أبيض ، للهرب من مواجهة الآخرين بالحقيقة التي لها طعم واحد ، هو طعم الحقيقة .. لكن ما عسانا نصنع ، إذا كان كثير من الناس لا يحبونها ، اعني الحقيقة ؟! .
ربما قال احدكم - أيها الأعزاء - : ما أحوجنا نحن في بلادنا العربية إلى إجراء مثل هذه الدراسة ، فلو جرت ، ترانا نكذب أقل من الأمريكيين أم أكثر ؟!
مهما يكن من أمر ، فإن فيلسوفة أمريكية - ما عدت أذكر اسمها - هي التي قالت يوماً : ( قل أكثر الحقائق قسوة ، ولكن .. بشكل مـائـل ! .. ) فما المقصود بالميلان ؟! أليس هو تطعيم الحقيقة بشيء من الكذب ؟ .. مثلما يجعلون لحبوب الدواء المــر " ســواغاً " يجعل في الفم حلواً كحبات الملبس السائغة ؟! .
لا بأس إذاً ، أن نعود قليلاً إلى البداية : فكيف ستكون صورة الناس في الكرة الأرضية ، لو أنهم انتفضوا جميعاً وقرروا القيام بثورة بيضاء ضد الكذب ؟
يقول الواحد للثاني رأيه فيه مباشرة : أنت محتال وكذاب ومراوغ .. أو يقول : لا تقترب مني البته ، فإن رائحة فمك لا تطاق .. أو يقول : هذه الأفكار التي تحملها في رأسك وتلوكها كالعلكة في فمك سخيفة تافهة وغير جديرة بأن تناقش .. أو يقول الثاني للأول : أنت ثقيل الظل لا تطاق .. أو يقول : أنت منافق لا تؤمن بشيء على الإطلاق .. وربما قال له : أنت دعيٌّ لا علاقة لك بما تزعم من ثقافة وأدب وفن .
وقد تقول المرأة لزوجها : أنا لا أحبك في الأصل ، وقد تزوجتك مرغمة ، لأني لم يتقدم لي من هو أفضل منك .. وقد يقول الرجل لزوجته : أنتِ خدعتيني ودلّست أيام الخطوبة , وقد اكتشفت بعد الزواج أن لكِ في الحقيقة وجهاً مختلفاً تماماً ، وما أنتِ إلا ثرثارة نفّاجة سليطة اللسان ! .
وخاطـــركم أيهــا الأعــزاء
جســا أإأإ ر